كتب صالح سالم أن المقترح الأميركي الجديد لإعادة إعمار قطاع غزة لم يلقَ ترحيبًا في القاهرة، بل أثار تحفظات واسعة ومخاوف من أن يستهدف إجهاض الخطة المصرية الخاصة بإعادة إعمار القطاع المدمَّر بفعل الحرب. ويشير التقرير إلى أن المشروع، الذي يحمل اسم «مشروع شروق الشمس»، يسعى إلى تحويل غزة إلى مدينة ساحلية فاخرة وعالية التقنية، في تصور لا ينسجم مع الواقع الإنساني والسياسي على الأرض.
يوضح موقع العربي الجديد أن الخطة الأميركية جرى تطويرها خلال نحو 45 يومًا بواسطة فريق يقوده جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، كبيرا مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع الترويج لها أمام دول مانحة محتملة، من بينها دول خليجية غنية بالنفط، بتكلفة إجمالية تصل إلى 112 مليار دولار على مدار عشرين عامًا.
مشروع ضخم يتجاهل الواقع الإنساني
يسعى المشروع، بحسب المعلومات المتداولة، إلى تحويل غزة إلى مدينة ساحلية «فاخرة وذكية»، مع بناء مجمعات سكنية راقية، وشبكات نقل حديثة، واستغلال الساحل المتوسطي للقطاع الممتد على نحو 40 كيلومترًا بوصفه محورًا استثماريًا رئيسيًا. ويعوّل واضعو الخطة على أن توفر الولايات المتحدة نحو 60 مليار دولار من التمويل، بينما يفترض أن تؤمّن غزة نفسها بقية الموارد عبر عوائد مستقبلية واستثمارات طويلة الأجل.
يرى محللون مصريون أن هذا الطرح يتجاهل تمامًا الاحتياجات العاجلة لسكان غزة، الذين يعيشون أوضاعًا إنسانية كارثية بعد أكثر من عامين من الحرب الإسرائيلية التي حوّلت القطاع إلى ركام. ويؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أحمد يوسف أن سكان غزة لا يحتاجون إلى ناطحات سحاب أو مدن ذكية، بل إلى وقف حقيقي لإطلاق النار، وضمان الأمن، وتوفير الغذاء والمأوى والخدمات الأساسية.
ويشير محللون إلى أن غزة، بعد سقوط عشرات آلاف القتلى معظمهم من النساء والأطفال، لا تزال تعاني الجوع والبرد وانعدام الأمن، في وقت يكافح فيه السكان للبقاء على قيد الحياة وسط دمار شامل ونقص حاد في الغذاء والمساعدات الإنسانية.
إحياء «ريفييرا غزة» بصيغة جديدة
ينظر كثيرون في مصر إلى «مشروع شروق الشمس» باعتباره إعادة إنتاج لخطة سابقة أعلنها ترامب مطلع العام، حين تحدث عن تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». وقوبلت تلك الخطة آنذاك برفض مصري قاطع، لأنها انطلقت من فرضية تفريغ غزة من سكانها الأصليين، وهو ما اعتبرته القاهرة ظلمًا صارخًا للفلسطينيين وتهديدًا مباشرًا للقضية الفلسطينية.
يرى محللون أن المقترح الجديد يعيد الفكرة نفسها بصياغة أكثر تجميلًا، إذ يتعامل مع غزة كأرض بلا شعب، قابلة للاستثمار العقاري، دون اعتبار لحقوق سكانها أو لارتباطها بمشروع الدولة الفلسطينية المستقبلية. ويؤكد محللون أن الخطة تتجاهل أن الأولوية بالنسبة للفلسطينيين تكمن في الحماية من الانتهاكات المستمرة، وليس في مشاريع استثمارية بعيدة المدى.
ويحذر مراقبون من أن المشروع يتغافل عن تصريحات إسرائيلية رسمية، من بينها تعهدات وزير الدفاع الإسرائيلي بعدم الانسحاب من غزة، والسعي إلى إقامة مستوطنات غير قانونية، ما يعمّق الشكوك حول النوايا الحقيقية وراء الطرح الأميركي.
مخاوف مصرية من التهجير وتصفية القضية
يثير تركيز الخطة الأميركية على إعادة الإعمار في جنوب غزة، قرب الحدود المصرية، قلقًا بالغًا في القاهرة، إذ يخشى صانعو القرار من أن يؤدي ذلك إلى دفع السكان قسرًا نحو الحدود مع سيناء. وتخشى مصر أن يتحول أي تهجير للفلسطينيين إلى تهديد أمني مباشر، قد يفتح جبهة صراع جديدة ويفجّر اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979.
كما ترى القاهرة أن تفريغ غزة من سكانها سيمثل ضربة قاصمة للقضية الفلسطينية، خاصة في ظل سعي إسرائيل المتواصل لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. ويؤكد باحثون أن أي مشروع إعمار لا يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم يساهم فعليًا في تصفية القضية بدل حلها.
في المقابل، طرحت مصر خطة بديلة بقيمة 53 مليار دولار، حظيت بتأييد عربي وإسلامي في مارس الماضي، وتهدف إلى إعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات مع بقاء السكان داخل القطاع طوال عملية الإعمار. ويؤكد الباحث السياسي أحمد عبد المجيد أن الخطة المصرية تشكّل الضمانة الوحيدة لمنع التهجير القسري، والحفاظ على غزة كجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
ويخلص التقرير إلى أن القاهرة تسير على خيط دقيق، تحاول من خلاله رفض المشاريع التي تهدد الحقوق الفلسطينية، دون خسارة الدعم الأميركي لمسار وقف إطلاق النار والتسوية النهائية، في مشهد إقليمي بالغ التعقيد.
https://www.newarab.com/news/egypt-us-project-sunrise-bad-idea-gaza-riviera

